الحياة الثقافية في الجزائر بين الوجود العثماني والاحتلال الفرنسي – معمر حبار
تاريخ النشر: 08/04/21 | 0:15مقدمة القارئ المتتبّع:
1. اشترى صاحب الأسطر الكتاب يوم السبت وهو في زيارة لإحدى ولايات الجزائر التي طلب منه صديقه أن لايشير إليه تصريحا ولا تلميحا ولا مايدلّ عليه. وأنهى قراءة الكتاب مغرب يوم الثلاثاء وفي جلسة واحدة، ويعرضه عصر هذا الأربعاء.
2. جمال سعادنة: “المنجز الثقافي الجزائري في العهد العثماني”، منشورات وطن اليوم، سطيف، الجزائر، سبتمبر 2019، من 97 صفحة.
3. قال الكاتب في مقدمة الكتاب وعبر صفحة 11: ” الحديث عن المنجز الثقافي الجزائري في العهد العثماني لابد أن يندرج ضمن السياق التاريخي الحاضن للفعل الثقافي”. وأكّد ذلك بطريقة أكثر وضوحا في خاتمة الكتاب، وفي السطر الأوّل منها، وعبر صفحة 66 وبالحرف: “إنّ تاريخ الدولة العثمانية في الجزائر لايمكن إدانته بالمطلق، كما لايمكن أيضا تنزيهه بالمطلق”. وهذه –حسب قراءتي- هي القاعدة التي اعتمد عليها الكاتب في نظرته للحياة الثقافية الجزائرية في العهد العثماني.
وجهات النظر تجاه الحياة الثقافية في الجزائر أثناء الوجود العثماني :
4. أوّلا: نقل الكاتب عن المحتلّ الفرنسي حين احتلّ الجزائر أنّه لم يقف على ثقافة، ووقف على تدهور ثقافي، وانتشار الجهل مايدل -في نظره- أنّ الجزائر في العهد العثماني لم تعرف نشاطا ثقافيا، ولا تطورا علميا ولم تشهد غير الجهل والأمية. وينسب بالتّالي كلّ تطور ثقافي للمحتلّ الفرنسي. والكاتب يستنكر بقوّة هذه النظرة.
5. ثانيا: يستنكر الكاتب على بعض الجزائريين الذين يرون أنّ الثّقافة في العهد العثماني كانت متطوّرة جدّا عكس مايروّج لها الاحتلال الفرنسي والمعارضين للوجود العثماني بالجزائر. ويرى أنّ هذه النظرة مبالغ فيها ولا علاقة لها بالواقع الجزائري يومها. ويدعو إلى تصحيح هذه النظرة، وتقويمها، وإعادة النظر فيها بما يناسب الحقائق والوقائع.
6. ثالثا: ينقل الكاتب عن الأستاذ أبو القاسم سعد الله، والمؤرٌخ يحي بوعزيز، والأستاذ المؤرّخ المحقّق محمّد بن عبد الكريم رحمة الله عليهم جميعا قولهم: لم تكن الثقافة الجزائرية في العهد العثماني بالعجز والضعف الرهيب الذي وصفه المحتلّ الفرنسي، ولم تكن بالعظمة والازدهار الذي وصفه بعض الجزائريين الذين بالغوا في المدح. ويؤكّدون أنّ الثّقافة الجزائرية أثناء الوجود العثماني عرفت انحطاطا وتدهورا وضعفا، وهذه ظاهرة تمسّ كلّ الدول، والحضارات وليست متعلّقة بالوجود العثماني فقط.
7. رابعا: ذكر الكاتب أنّ الحالة الثقافية في العهد العثماني كانت تتبع حالات شخصية فردية من جزائريين تعلّموا وتفقّهوا بمفردهم، وليست نابعة من الدولة العثمانية أي ليست رسمية.
8. خامسا: ذكر حالات تعود لبعض الدايات والبايات الذين ساهموا في المحافظة، والمساهمة في الثقافة الجزائرية. وأضاف: هؤلاء الدايات والبايات ساهموا في الثقافة الجزائرية بصفتهم أفرادا اهتموا بالثّقافة وليس بصفتهم يمثّلون الدولة العثمانية. مايعني أنّ مساهماتهم كانت فردية ولم تكن ذات طابع رسمي نابع من الدولة العثمانية.
أسباب تدهور الحياة الثقافية الجزائرية في العهد العثماني:
9. علّل الكاتب الأسباب التي جعلت الثقافة في العهد العثماني ضعيفة عبر صفحات 23-27، وهي: عدم الاستقرار السياسي الذي عرفه الوجود العثماني بالجزائر، ويكفي أنّ وهران ظلّت محتلّة من طرف الإسبان لمدّة قرنين من الوجود العثماني بالجزائر. والطبيعة العسكرية والسياسية للعثماني والحاكم العثماني، فهي ليست طبيعة تهتم بالجانب الثقافي. واللّسان الأعجمي التركي، ولا يرجى من كان هذا لسانه أن يساهم في المحافظة وتطوير ثقافة مبنية أساسا على اللّسان العربي المبين. وانحصار الوجود العثماني في الحواضر دون المناطق النائية، فانحصرت بالتّالي الثّقاقة في أماكن محدودة وضيّقة جدّا. وكان الوجود العثماني بالجزائر متدرجا ولم يكن شاملا للجزائر في اليوم الأوّل، وكان وجودهم في كلّ مرحلة من الزمن تسيطر الدولة العثمانية على منطقة جزائرية معيّنة ماأثّر سلبا على الثقافة.
أقوال الأساتذة بشأن الحياة الثقافية الجزائرية في العهد العثماني:
10. نقل الكاتب عن الأستاذ أبو القاسم سعد الله أنّ الضعف الثقافي في العهد العثماني “بدأ قبل استيلاء العثمانيين على السّلطة بقرون” 26.
11. و”أوعزها الورتيلاني إلى وجود الأتراك”، و”ألقى باللاّئمة على الأتراك، متّهما إيّاهم بتخريب حاضرة بسكرة المشهورة بالعلم والولاية” 41.
12. ونقل عن الأستاذ أحمد توفيق والمؤرّخ يحي بوعزيز رحمة الله عليهم جميعا، قولهما: لم يكن عصر الحكم العثماني عصر مدنية ورفاهية وعدل، خاصّة في العهد الأخير من سوء التصرّف والظلم والتّعسف. 20
13. ذكر الكاتب زيارة العالم أبو سالم العياشي والوتيلاني لمدينة ورقلة وبسكرة عبر صفحات 31-34 أثناء الوجود العثماني، فسجّل كلّ منهما في رحلاتهما مظاهر تدل على التخلّف الثقافي الرهيب أيّام الوجود العثماني كضعف اللّسان العربي، وانعدام المدارس العلمية، وقلّة المقبلين على المساجد، وانعدام حلقات العلم.
14. ونقل عن الرّحالة المغربي أبو زيد محمّد عبد الرحمن الجامعي الفاسي مظاهر حسنة عن الثقافة في العهد العثماني لكن في المدن الكبرى كالجزائر العاصمة، وتلمسان، وقسنطينة، وبونة.
ملاحظات القارئ المتتبّع:
15. كان الكاتب جمال سعادنة الذي أقرأ له لأوّل مرّة -فيما أتذكّر- منصفا حين لم يردّد ماذكره المحتلّ الفرنسي بشأن الثقافة الجزائرية في العهد العثماني. ومنصفا حين لم يردّد ماذكره بعض الجزائريين. وكان منصفا حين لم يردّد ماذكره بعض إخواننا الأعزّاء في المشرق العربي. وكان في غاية الإنصاف حين نقل أقوالهم المتضاربة بصدق وأمانة.
—
الشلف – الجزائر
معمر حبار