الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي أحبه والذكرى 81 لوفاته
تاريخ النشر: 19/04/21 | 11:11بتاريخ 16 افريل 1940 توفى العلامة السلفي الشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس,وكانت جنازة مهيبة ( قام جهاز اتصالات شمال افريقيا SLNA المخابراتي بتوثيقها ) . بكاه كل حبيب رثاه كل شاعر وحقد من ذلك كل حاقد ومازال ذكر الرجل حيا وميتا .
مما اعتز بذكره تلك المسرحية التي قمت بدور الشيخ فيها امام ” الشبيبة ” منشدا :” شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ وَإلىَ الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ مَنْ قَــالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ ” ضاغطا على كذبْ بقلقلة وقلق , ثم أتقدم في الخشبة بخطوتين وأكمل :” أَوْ رَامَ إدمَــاجًــا لَــهُ رَامَ الـمُحَـال من الطَّـلَـبْ ” . ثم أشير إلى الجمهور وفيه الشباب والكهول والشيوخ ؟( ومحدثهم طفل في الابتدائي ) : ” يَا نَشءُ أَنْـتَ رَجَــاؤُنَــا وَبِـكَ الصَّبـاحُ قَـدِ اقْـتَربْ ” . ثم انزل إلى الأرض وكأني ” أقتلع شيئا بجذوره وهو يقاوم ” : ” وَاقلَعْ جُـذورَ الخَـــائـنينَ فَـمـنْـهُـم كُلُّ الْـعَـطَـبْ” . ارمي به بعيدا, ثم أتقدم وارجع البرنوس إلى الخلف واضعا اليدين في الصدر وأصدع بالحب : ” مَنْ كَــان يَبْغـي وَدَّنَــا فَعَلَى الْكَــرَامَــةِ وَالـرّحب “. ثم ارفع اليد اليمنى بالتهديد : ” ومن كـان يبـغي ذلــنا فـلـه الـمـهانـة والـحـرب”. كان الجمهور منبهرا بذلك التأثر الذي كنت فيه وحفظ ذلك الشعر وكان متردد بين التصفيق بحرارة وإكمال مشاهدة ما أقول ( كنت أتحسس كل ذلك وأنا ارتجف وربما زاد ذلك في التأثيرعفويا ) . وهنا أتقدم واجثوا على ركبتي رافعا اليدين إلى السماء مرددا آخر بيتين من القصيدة : ” هَــذا لكُمْ عَـهْــدِي بِـهِ حَتَّى أوَسَّــدَ في الـتُّـرَبْ.” واكرر : ” فَــإذَا هَلَكْتُ فَصَيْـحـتـي تَحيـَا الجَـزائـرُ وَ الْـعـرَبْ ” ثم تكررها الفرقة خلفي : ” بلحن جميل ” وهنا يقوم الجمهور كله بالتصفيق ويتقدم احدهم ويحتضنني ؟ كانت الفرقة الإنشادية خلفي قد رفعت الصوت بشعر آخر للشيخ : ” اشِهِدي يَا سَمَا وَاكْتُبَنْ ياوُجودْ “.. “إنَّنَا للِحـمَـا سَنَكُونُ الجُـنُودْ”…. هكذا كانت تقام ذكرى يوم العلم سنين عديدة بالمعارض والمسرحيات وكنت دوما من المشاركين وكان للمجلة الحائطية دور في ترسيخ ” المعلومات ” وطرح إشكالات ولو جانبية بطريقة مختصرة لكنها مفيدة جدا خصوصا في شكل ومضات تسبيق السنوات بشكل ” ميقاتية ” تأريخ الوقائع ” كرونولوجي ” مع فتح أقواس كان مما يكتب بهذه المناسبة:
1. 1889عبد الحميد بن محمد بن المكي بن باديس (1). تتلمذ في جامع “سيدي محمد النجار” علي يد الشيخ حمدان الونيسي
2. 1902 حفظ القرآن الكريم في 13 من عمره، على يد الشيخ محمد بن المداسي
3. 1908 انتقل إلى تونس والتحق بجامع الزيتونة،(محمد الطاهر بن عاشور، ومحمد النخلي القيرواني , ومحمد الخضر بن حسين)
4. 1911 نال شهادة “التطويع العالمية”
5. 1913 أدى فريضة الحج التقى رفيق الدرب الشيخ البشير الابراهيمي وولدت فكرة الجمعية
6. 1926 تأسيس مكتب للتعليم الابتدائي العربي
7. 1930 مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية
8. 1925 جريدة المنتقد بشعار : “الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء” ثم أوقفت بعد العدد 18؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية حتى عام 1929 م ثم جرائد البصائر والسنة والشريعة والصراط : “لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
9. 1931 أنشأ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وانتخب رئيسا لها، “الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا”.
10. 1936 حضور مؤتمر سمي اسلامي , امروا عليهم بوليتكيون ( باعوا المقابلة بمجرد العودة للجزائر وفتنة قتل المفتي )
كان رحمه الله غزير الكتابة ” دون التأليف ” فكتب مقالات وخطب ومحاضرات وقصائد شعر في صحف اشرف عليها شخصيا ؟ المنتقد، والشهاب، والنجاح، والشريعة المطهرة، والسنة المحمدية، والبصائر…يتكفل طلبته لاحقا صب خطبه ودروسه في شكل اسفار ضخمة :
– تفسير القران الكريم ” “مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير”.
– كتاب مبادئ الأصول
– كتاب العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
لم أكن اعلم من اقترح ” يوم وفاة الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس يوما للعلم…(2)!” . ولم يكن هذا السؤال مطروحا أصلا قبل 1987 سنة إقامة معرض في متوسطة علي بونداوي تكفل بها طلبة جامعيون” إسلاميو التوجه بطعم اليسار !” ( هكذا سميتهم يومها). حيث كان الإبداع بلافتات ضخمة مكتوب فيها بخط نسخي وثلثي جميلين جدا واضحين بعمق ! بطريقة طرح الأسئلة تهز الكيان ! كان المعرض كله وفي كل جزء منه ” #تغير وإبداع “. وكان كأنه حلم تحقق بحكم ميولي للخط والمجلات الحائطية والرسم و… لكن نقطتين اثنتين تجمدت عندهما :- لفتت انتباهي بشدة – :
1- النقطة الأولى :
لافتة بمترين طولا ومترين عرضا مطروح فيها إشكال عميق وبطريقة لبقة جدا ؟ ( فهو يسمي الشيخ عبد الحميد بن باديس بالشيخ أولا ثم المصلح ثانيا ثم رائد النهضة الإصلاحية ثالثا ..تجنبا لأي خلط لمعاداة الباديسية ؟” كأنه يقول :” نحن أولى بابن باديس منكم ؟ لكن التاريخ والحقائق يجب ان تطرح كما هي , و ” هبرة ” العلماء المسمومة هي لك تاجر بها كما تشاء فقط لا تلزمني بما لا أطيق ولا يطيق المنطق ؟ فضلا على اتهامي بالباطل. والحقائق والوثائق متاحة اليوم يمكن لأي كان الاطلاع عليها وستجد صعوبة كبيرة إن لم نقل استحالة في إقناع شاب كل حياته وهو يعتقد ” أو افهم ” ان الشيخ بن باديس كان يقاوم الاستعمار ” ثوريا ” حصل على وثيقة من مجلة تابعة لجمعية العلماء المسلمين – السنة – يمجد فيها الشيخ ” فرنسا ” ؟ او والده كان من الاعيان ؟ وجده لابيه كان قاضيا عند فرنسا وقلده نابليون شخصيا وسام استحقاق ؟؟… سيفقد توازنه ويكفر بكل شيء وقد تنتقم الفكرة التي بداخله لكل الثوابت ؟ ويفقد الثقة في كل شيء لكن ماذا لو طرحت كل المواضيع حتى دون شرح :” بان لكل زمن ظروفه . ولا يمكن بأي حال من الأحوال قياس زمن ما قبل 1940 إلى زمن 1954 فضلا عن الاستقلال وما بعده…..وان تحكم بمقاييس 2021 زمن 1931 ؟ وقد يحتاج الموضوع إلى تفصيل أكثر . قناعتي التي انقلها لكل محب ” تناول التاريخ كما هو في زمنه وسياقاته وطرح كل شيء دون أي قداسة او تبرير ” )
كان مكتوبا على اللافتة بكل وضوح : ” هل من اللائق أن نطلق ” يوم العلم ” على اليوم الذي توفى فيه المصلح الكبير عبد الحميد باديس؟ اليس في ذلك رمزية عكسية ؟ لماذا لم نطلقه على يوم ولد ؟ أو بالأحرى على يوم تأسيس جمعية العلماء المسلمين ؟ صح صح صح !( « يوريكا») يا لنباهتهم !” الشكوكية”وكيف للشك أول مراتب اليقين إنهم بطرحون الفكرة بقوة مع طرح البديل ! وهذا غير معهود
وفي إشارة فرعية ” كتب تاريخ الوفاة بالاحمر 16 أفريل 1940 ! مع توضيح #لاحظ كان ذلك قبل اندلاع ثورة التحرير الوطني 1954 بأربعة عشر 14 سنة على الأقل بل وحتى قبل مجازر 08 ماي 1945 ( هذا الربط القوي وبالألوان يجعلك تشكل ” صورة ذهنية ” بمثابة لقاح ! مضاد لاي فيروس مستقبلي قد يتهم الشيخ والجمعية بأنها ضد الثورة أو أنها لم تشارك فيها وجدال فارغ وهو مات قبل ذلك بسنين! كجدال أهل الكتاب عن سيدنا ابراهيم وكتبهم لم تنزل الا بعد وفاته ! ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. 65).
كان جيلنا محظوظ و محصن فعلا ” لمن أراد ”
2- النقطة الثانية :
في حديث دقيق عن الاقتصاد الإسلامي ( حقائق اعرفها لأول مرة ! طرح بديل متكامل ” عن البنوك ” ؟ مع كتب بعدة لغات . ولاحظت كتاب لمالك بن نبي عن الاقتصاد أيضا لأول مرة! اكتشف لاحقا انه كان موجودا في المكتبة البلدية بترقيم قريب من ” اقتصادنا ” ) ….ومع طرح هذا البديل من جهة كانت اللافتات تدحض نظرية ضرورة وجود بنوك ربوية ” القبول بالامر الواقع!” وكان اخطرها توظيف قوله تعالى :” وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [سورة النساء 5] وفي اسفلها البنوك ! فترسم في ذهنك أن البنوك هم ” السفهاء “.
في الختام تجدر الإشارة إلى الحالة المزرية لمنزل ” مسقط رأس ” الشيخ اليوم بقسنطينة ( الصورة ) وهي تذكر بنفس الوضعية التي كان يعاني منه منزل الأستاذ مالك بن نبي بتبسة. والذي كان محبا للشيخ وقال عنه في مذكراته بكل موضوعية (محاولة ترجمة معنى): ” وكانت الفكرة تجعلني أكثر استلطافا للشيخ بن باديس الذي يمثل بنظري الرجل المنفي بسبب وضعه العائلي .فكانت نظراتي تتبعه بعطف وحنان كلما مر أمام مقهى بن يمينة .أوتوقفه في الشارع ليحادث احد المارة ، فهذا الرجل الأنيق المرفه ذو المنبت الصنهاجي كان يحسن معاملة الناس . وكثيرا ما يوقف احد معارفه ليستطلعه أخبار قريب له مريض او مسافر- مالك بن نبي مذكرات شاهد على القرن ط2.عام 1984 ص 131….ذلك لان الشيخ قد بدا في نظرنا خارج الإطار الاستعماري فقد قطع صلته بعائلته وخاصة والده وهو تاجر ( وليكن بشاغا ) .وبشقيقه المحامي . مقتطف مقصود من مذكرات مالك بن نبي يبين فيه حبه للشيخ عبد الحميد بن باديس وتميزه بانسانية الشيخ سليمان ونظرات الشيخ العربي القاسية (3) .
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
——————– تهميش —————–
(1) جدّه لأبيه: الشيخ المكي بن باديس الذي كان قاضيا مشهورا بمدينة قسنطينة وعضوا في المجلس العام وفي المجلس البلدي، وقد احتل مقاما محترما لدى السكان بعد المساعدات المالية التي قدمها لهم خاصة أثناء المجاعة التي حلت بالبلاد فيما بين 1862 – 1868م وانتخب إلى الاستشارة في الجزائر العاصمة وباريس، وقد تقلّد وساما من يد نابليون الثالث (كان رئيسا لفرنسا من 1848-1852م ثم إمبراطورا لها من 1852-1870م)، وعمه احميدة بن باديس النائب الشهير عن مدينة قسنطينة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي الذي اشترك مع ثلاثة من زملائه النواب في عام 1891م في كتابة عارضة دوّن فيها أنواع المظالم والاضطهادات التي أصبح يعانيها الشعب الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي من الإدارة الاستعمارية ومن المستوطنين الأوروبيين الذين استحوذوا على الأراضي الخصبة سلبا من الجزائريين وتركوهم للفقر والجوع، وقاموا بتقديمها إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي الذي حضر إلى الجزائر من أجل البحث وتقصي الأحوال فيها كي يقدمها بدوره إلى الحكومة الفرنسية وأعضاء البرلمان الفرنسي في باريس وذلك بتاريخ 10 أبريل سنة 1891 أي بعد ولادة عبد الحميد بن باديس بحوالي ثلاثة سنوات فقط. هناك قسم من عائلة ابن باديس كانوا قادة كبار مع الأمير عبد القادر الجزائري وأسرتهم المحتلون سنة 1263/1847 وأرسلوهم إلى فرنسا، وأودعنهم بالسجن في باريس وقد تم الإفراج عنهم مع الأمير عبد القادر الجزائري في عام 1852 م وتم نفيهم إلى بلاد الشام تحت رعاية الأمير عبد القادر الجزائري في عدة مناطق في لبنان وفلسطين وسوريا والغالبية العظمى متواجدة في الأردن بمنطقة اربد بالأغوار الشمالية
(2) تأسس اليوم الوطني للعلم الذي احتفل به لأول مرة سنة 1976 تكريما لكفاح الإمام القسنطيني عبد الحميد بن باديس (1889-1940) بمبادرة من الرئيس هواري بومدين “لتذكير الجزائريين بمزايا العلم”.
في “مذكرات جرائري”، يسرد أحمد طالب ابراهيمي، الذي كان وزيرا للتربية الوطنية إبان تلك الفترة (1965- 1970) بشأن تأسيس اليوم الوطني للعلم بأن كل شيء بدأ بمناسبة حديث خصه به الرئيس بومدين !
و كتب السيد الإبراهيمي طالب في مذكراته أنه “خلال جلسة سنة 1966 ( وبعد 10 سنوات ؟؟؟) ، قدم بومدين عرضا خاصا بالآثار الإيجابية للتربية حول تطوير الوعي السياسي . عندما طلب الرئيس بومدين من وزير التربية أن يقترح عليه تاريخا، اقترح هذا الأخير “بعفوية” يوم 16 أفريل 1940.؟؟؟ فقد قال السيد الابراهيمي أنه فكر في يوم رحيل مؤسس و أول رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين لأنه و ببساطة ؟؟؟ كان يجهل تاريخ ميلاده.
ملاحظات هامة بأسئلة للمتابعة من ) د شافية صديق ( : من كان يحكم ثقافيا في الجزائر في تلك الفترة؟ . ماذا عن موقف النظام من الشيخ الابراهيمي ( اب الوزير ) و الإقامة الجبرية ؟ماذا عن الجدل بين مصطفى الاشرف و ابن الحكيم :الاسم الذي كان يمضي به السيد احمد طالب الابراهيمي بعض مقالاته في الصحف الفرنسية ؟
(3) ” L’idée me rendait aussi sympathique le cheikh Ben Badis qui représentait à mes yeux l’homme proscrit à cause de sa situation familiale .Aussi,quand cet homme passait devant le café Benyamina , mon regard suivait son pas menu avec sympathie.Il s’arrêtait parfois dans la rue pour causer avec quelqu’un.Ce Constantinois raffiné qui se souvient de sa descendance sanhadjine avait de l’entregent .Il s’arrêtait pour demander à quelqu’un les nouvelles d’un malade ou d’un absent .Il avait les qualités humaines de cheik sliman et la rigueur des vues de cheikh Larbi.Et les premières,corrigeant l’excès de la seconde, le rendaient plus sympathique le plus efficase que ses deux contemporains tebeessiens.””
Malek Bennabi Mémoirres d’un témoin du siècle Editions Samar 2ème édition 2006 .pp112\113
عزوق موسى محمد