هل ندخل موسوعة غينيتس في القتل؟ بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 20/04/21 | 14:48في كل مرة أكتب فيها مقالاً عن العنف وضحايا القتل وأعمال الإجرام، أتذكر جملة قالها لي أحد الأصدقاء المهتمين جداً بالمجتمع العربي:” لمن تكتب؟ هل هناك من يستوعب ما تقوله رغم أهميته؟” في لحظات معينة كنت أعطيه الحق فيما يقول. لكن كيف يمكن السكوت على مثل هذه الأعمال حتى لو لم تجد كلماتنا أذاناً صاغية لها. فالواجب الأخلاقي والمجتمعي والمهني يتطلب من الإعلامي الملتزم معالجة كل مستجد يطرأ على مجتمعنا العربي.
ما جرى في باقة الغربية ليست مجرد عملية إجرامية. انها وبحق مجزرة عائلية. صحيح أن البلدات العربية تشهد (تطوراً؟!) مرعباً في العنف، لكن ما عاشته عائلة أبو حسين فاق كل تصورز “والله يصبّر الأب”. قبل أشهر قليلة فقد زوجته وشريكة حياته التي أمضى معها السنين في تربية ولديهما صلاح وشافع ليصبحا من عداد الشباب الذين يشار إليهم بالبنان سلوكاً وأخلاقا.
جماهير غفيرة من أبناء مدينة باقة الغربية شاركت في تشييع جثماني الشقيقين صلاح وشافع أبو حسين، اللذين قتلا رميًا بالرصاص في مدينة طولكرم بالضفة الغربية فجر يوم الجمعة الماضي. باقة الغربية ثكلى الآن على من سقطوا ضحايا الجريمة. ليست الأم وولديها فقط الذين يسجل تاريخ القتل أسماءهم في قائمة الضحايا، بل هناك أيضاً ، وكما تقول المعلومات المتوفرة، أربع ضحايا آخرين من نقس العائلة سقطوا ضحايا العنف. يعني سبعة أشخاص من عائلة واحدة. مصيبة لا مثيل لها.
والد الضحيتين على حق عندما يقول:” لا كلام يُسعفني لوصف هذه الجرائم البشعة”. نعم أي كلام سيعيد إليه ولديه اللذين “رباهما بدم قلبه” وأي كلام سيهوّن عليه بعد فقدان شابين كانا أمل حياته. أي تعزية ستكون عليه برداً وسلاماً بغياب ولديه شافع وصلاح إلى الأبد؟ كل ذلك مجرد تخفيف آلام ليس أكثر.
في حديث مع موقع “العرب”يقول الوالد محمد أبو حسين:” بعد الجريمة الاولى في العائلة هجرنا المدينة وانتقلنا للسكن بعدة بلدات أخرى آخرها منذ عشرة أيام في طولكرم وهُناك قُتل ابنيّ صلاح وشافع، نحن نعيش بخوف ورعب”. هذا يعني أن القتل يطارد الناس أينما كانوا في البر أو البحر. والمكان لا يلعب دوراً عند القاتل، والمهم تنفيذ جريمة القتل.
ولكن لماذا يصل الأمر بالإنسان إلى القتل؟ ألا يمكن تفادي الإجرام؟ يقول الوالد الثاكل: “لا أعتقد أنّ هُناك مُشكلة حقيقية توصل بنا إلى القتل، أكبر مُشكلة يُمكننا حلّها دون اللجوء إلى الجريمة وإزهاق الأرواح”. كلام الوالد الثاكل ينم عن تفكير، وبالفعل لا توجد مشكلة بدون حل. لكن هناك من يلجأ للقتل انتقاماً وهناك من يسير في نهج الإجرام “زعرنة” مثل الخاوات والسرقات. وفي كل الأحوال لا مبرر للقتل أبداً عند الذين خلق الله فيهم العقول للتفكير، وليس فقط البطون لملئها.
كثيرة هي البلدات العربية التي نكبت بحالات قتل، وكثيرون هم المجرمون في المجتمع العربي، والذين يعيثون في الأرض فساداً دون حسيب أو رقيب. ما الذي يجري في مجتمعنا ونحن نخرج من كارثة إلى أخرى؟ هل أصبحنا مجتمع جنازات القتل؟ هل أصبحنا في الطريق إلى موسوعة غينيتس في القتل؟ أسئلة يجب أن نوجهها لأعضاء الكنيست العرب ولكافة رؤساء البلديات والمجالس المحلية ، وأيضاً إلى لجنة المتابعة.
ماذا أنتم فاعلون؟ لقد أصبحتم من الناحية العملية مثل “الشرطة” لا تفعلون شيئاً. لكن الفارق بينكم وبين الشرطة أنكم لا تستطيعون فعل شيء سوى إصدار بيانات الاستنكار والإدانة وتقديم التعازي ، ” عظم الله أجركم” و”اللي راح راحت عليه”. أما الشرطة فإنها بعكس ذلك تستطيع أن تفعل شيئاً ولكنها غير معنية ونظرتها العنصرية للمواطن العربي تنحصر في مقولة: “فخار يكسّر بعضو”. وبما أن علينا “أن نقلع شوكنا بإيدينا” فإننا على ما يبدو عاجزين أيضاً عن ذلك.
والد الضحيتين أضاف في حديثه كرسالة منه لكافة الشباب :” قاطعوا المجرمين حتّى بالسلام والكلام”. وإذا كان هذا رأي الأب الثاكل فإنه ينطلق من أن القتلة معروفين وهذه هي المصيبة بعينها إذ أن القتلة يسرحون ويمرحون.